الإثنين 25 نوفمبر 2024

رحلة الأثام للكاتبة منال سالم

انت في الصفحة 16 من 82 صفحات

موقع أيام نيوز


أو حتى تقبيلها في وجنتها كما فعل في المرة الأولى بدا جافا للغاية صلفا وغير متهاون ارتسمت
علامات الاستياء على وجه ديبرا وراحت تعاتبه بصوت مزعوج
لما هذه الرسمية في التعامل معي ألم نكن بالأمس آ 
قاطعها رافعا يده أمام وجهها
اعتذر منك 
ثم حول ناظريه تجاه تهاني وتابع متعمدا
صديقتي المقربة منزعجة من وجودك 

في التو تلاحقت دقات قلب الأخيرة في صدمة جلية مما فاه به ظلت تحملق فيه بعينين متسعتين لا تصدق ما سمعته أفاقت من دهشتها العظيمة على نبرة ديبرا المستنكرة وهي تتساءل في استهجان بائن
أهذه صديقتك
ألصق بثغره هذه الابتسامة الساحرة والمنمقة وهو يؤكد لها دون أن يبعد نظراته الدافئة عن تهاني
نعم 
تحرجت ديبرا من وجودها غير المرغوب فيه واستأذن بالذهاب وأمارات الخيبة تظهر على تقاسيمها
اسمح لي فرصة طيبة عزيزتي 
لم تخبت الدهشة من على وجه تهاني رغم انصراف هذه المرأة وظل نظرها معلقا ب مهاب وهو يخاطبها مبديا اعتذاره وقد عاد إلى الجلوس
أنا أسف إني اضطريت أقول الكلام ده بس مكونتش هخلص بصراحة منها 
شعرت وكأنها لا تجد المناسب من الكلام لتعبر به عن رأيها فيما قال فالمفاجأة ما زالت مسيطرة عليها لكنه تابع موضحا لها
يعني أنا مش بحب النوع ده من فرض العلاقات هي مش قادرة تفهم إننا مجرد زملاء عاوزة الموضوع يتخطى ده بكتير 
تطلعت إليه بمزيد من التحير والاندهاش فواصل تعقيبه
جايز الحياة هنا مفتوحة وكل حاجة متاحة بس أنا برضوه راجل شرقي وعندي ثوابت 
استندت برأسها على راحة يدها ولم ترف بطرفيها فرأى هذه النظرة الحائرة التي تملأ عينيها لذا سألها مبتسما في لطافة
بتبصيلي كده ليه
تداركت ما كانت عليه من تحديق غريب وقالت بتلبك خفيف وهي تعتدل في جلستها
بصراحة اللي يشوفك إمبارح مايشوفكش النهاردة 
قال بشيء من الضيق
اللي حصل كان لحظة طيش وأنا ندمان عليها جدا 
كانت على وشك التعليق لكنه انتفض واقفا ليخبرها وهو يشير برأسه تجاه المنصة
أنا عندي مناقشة فوق هستأذنك 
مرة أخرى تفاجأت به يعتلي المنصة كأحد محاضري اليوم فافتر ثغرها عن ذهول تركها على حالتها تلك وهو متأكد أن نظراتها ستظل باقية عليه ولن تفارقه لمدة طويلة شعرت تهاني بدفقة جديدة من الحماس المتقد تنعش وجدانها فرددت مع نفسها في غير تصديق وقد أشرقت ملامحها وبرقت نظراتها سرورا 
للدرجادي أنا أثرت فيه
تساءلت في صدر شبه ناهج وهي تضع يدها على الإيشارب المطوق لعنقها لتلمسه في ترفق
بقى عاوز يتغير عشاني!
سرعان ما أسرتها طريقته المرتبة والمحكمة في فرض سيطرته على الآخرين خاصة حينما احتدم الجدال بشأن نقطة معينة كان ثابتا راسخا كالجبل لم يتوتر ولم يبد قلقا بل على العكس استطاع أن يظهر قدرته على إقناع الحاضرين بصحة رأيه فاستحوذ ببراعة على إعجابهم قبل اهتمامهم انتشت تهاني وهي تصغي إلى مهاب وهو يدلي بدلوه في كل شيء وكأنه القائد المتزعم سرحت في تأمله وشردت مع نبرته في بعد مواز حتى بدت غير مهتمة سوى بما يفعله فقط كم دارت في رأسها الخيالات الوردية بشأن مستقبل باهر يجمعها به فقط إن تطورت علاقتهما إلى ما هو أعمق! تنبهت من دوامة تحليقها الخيالي عندما ألقى كلمته الختامية فطرحت عن رأسها هذه الأفكار الواهمة ونهضت من مقعدها لتتجه إلى المنصة حيث يقف وسط مجموعة من الأطباء يتشاور معهم في بعض الجزئيات سمعت أحدهم يثني عليه من بين ضحكاته
نحن محظوظون بك دكتور مهاب لقد كان النقاش غنيا وممتعا للغاية 
قال وقد اتسعت بسمته
أشكرك سيدي 
مد آخر يده لمصافحته وهو يوصيه
نرجو ألا تحرمنا من هذه المحاضرات مجددا 
أخبره مؤكدا بثقة يشوبها لمحة من الغرور
لا تقلق ستجدني في كل محفل طبي 
ارتبكت
وتشعب في بشرتها حمرة خفيفة عندما تحولت كافة الأنظار إليها فجأة عندما خاطبها أحد الواقفين بنبرة مهتمة
وأنت كذلك دكتورة نتمنى رؤيتك مرة أخرى 
عندئذ تحرك مهاب ليقف مجاورا لها وليضعها كذلك في المقدمة لتتمكن من الحديث إليهم فابتسمت في خجل وردت وهي تنتقل بناظريها إليه لتحدق فيه وحده
بالتأكيد 
تكلم
مجددا ذلك الطبيب وهو يوزع نظراته بين الاثنين ومشيرا بسبابته
لنتقابل في تجمع الغد سأنتظركما 
وقتئذ رد عليه مهاب بهدوء
حسنا 
مرت عدة دقائق إلى أن خف الحشد وانشغل المعظم عنهما حينئذ انفردت تهاني به وسألته بفضول ممزوج بالحيرة
هو في إيه بكرة
أجابها وهو يشير لها بيده لتتحرك بعيدا عن الصخب
عاملين زي جولة في البلد بحيث الضيوف يشوفوا أهم معالمها!
نبرته أوحت لها بعدم اكتراثه فتفرست في وجهه مليا وهي تستطرد متسائلة لتتأكد مما تشك فيه
شكلك بيقول إنك مش حابب تخرج
جاء رده مائعا وموجزا في نفس الآن
يعني 
تعجبت من ذلك وسألته
في سبب معين
هز رأسه بالإيجاب دون أن يفوه بشيء وكأنه يقصد بهذا استثارة نزعة الحيرة بداخلها وحدث ما رتب له فازداد الفضول بداخلها ولم تمانع من الإفصاح عما تريد الوصول إليه لذا تساءلت برقة وتهذيب وقد أصبحا كلاهما خارج قاعة المؤتمر
ممكن أعرف إيه هو
اتخذت ملامحه طابعا جديا غريبا وتوقف عن السير ليوضح لها بمكر مدروس
بعيد إني مش عاوز أشوف ديبرا بس ممكن تلاقي بعض الحاجات اللي ماتعجبكيش وأنا مش حابب ده 
لحظتها أحست بالنشوة والابتهاج لتجنبه فعل ما يزعجها بأي طريقة وكأن لها تأثير ساحر يعجز إلى حد ما عن مقاومته تمسكت بهذا الاعتقاد لاحت ابتسامة ناعمة على محياها وهي تخبره
طالما إنت مش هتروح فأنا زيك 
أومأ برأسه ليكملا سيرهما فتحركت معه وهزت كتفيه متابعة كلامها
أنا أصلا ماليش في الجو ده 
مشى إلى جوارها قائلا بصوته الهادئ
أنا عارف 
حين التفتت تنظر إليه أكمل بنبرة موحية في التو تسربت إلى النابض بين ضلوعها فراح يخفق بقوة 
وحابب تفضلي كده 
تسترت وراء قناع الابتسام الخجل لتخفي هذه اللهفة الفرحة المتفشية فيها لو لم تكن قد سمعت ما قاله لظنت أنها في حلم جميل ستفيق منه بعد حين لكنها يقظة وما يردده واقع ملموس يكاد يتحقق إن استمر على هذا المنوال 
لم يكن من هواة الجلوس على المقاهي الشعبية لكن شقيقه أرسل إليه ليأتي إليه في ذاك المكان الرابض بالقرب من محل عمله انتظره عوض في تبرم متذمر فلم يرغب في إضاعة الوقت سدى دون أن ينهي ما هو مكلف به من أعمال هب واقفا من موضع جلوسه عندما لمح بدري قادما من مسافة قريبة اتجه ناحيته وهو منزعج بدرجة كبيرة لتأخره ناداه ملوحا بيده ومع ذلك لم يرد ظل منشغلا بالتحديق في مغلف أصفر اللون ممسك به بيده لم يره واستمر ملهيا مع نفسه بلغه فسمعه يردد بما يشبه التهليل رغم خفوت صوته وكأن برأسه حوارا لا ينقطع
يا فرج الله أنا مش مصدق 
استوقفه بالإمساك به من ذراعه وصاح به وهو يهزه قليلا
في إيه يا بدري جايبني ومعطلني من الصبح ليه
نقل شقيقه الأصغر نظره إليه وردد في تلهف آخذ في التضاعف وابتسامة عريضة تكاد تصل لأذنيه تبرز على ملامحه
افرح ياخويا أنا الحمدلله استلمت تأشيرة السفر للعراق فحلفت لتكون أول واحد تعرف 
فاجأه بذاك الأمر الذي انتواه سابقا ومضى عليه وقت ليس بقليل حتى ظنوا جميعا أنه لن يحدث حدق فيه مدهوشا للحظات ثم قطب جبينه وسأله مستنكرا وبعض الضيق يكسو وجهه
إنت بتكلم جد برضوه عملتها!!
أكد عليه وهو يرفع كذلك المغلف
ڼصب عينيه
ده ربنا اللي أراد 
تطلع عوض إلى ما في يده بحاجبين معقودين بينما استمر شقيقه في الاسترسال ليعلمه وهو عاقد العزم على تنفيذ ما طمح فيه بشدة بماض ليس ببعيد عنهما
ده أنا حتى كنت نسيت الحكاية دي من ساعة ما وصيت الزبون إياه إنه يشوفلي سكة لبرا وزي ما إنت عارف لا كان في حس ولا خبر منه بس طلع أصيل وحطني على أول الطريق 
بدا شقيقه الأكبر غير راض عن حماسه الظاهر للإقدام على هذه الخطوة الفارقة وسأله في عبوس
وإنت يعني لازما تسافر ما تفضك من الحكاية دي 
أصر على قراره هاتفا بعناد وأصابعه تزداد تشبثا على المغلف
لأ مش هيحصل دي فرصة أجرب حظي في حتة جديدة أجيب بيها قرش زيادة بدل العيشة الصعب اللي بقينا فيها 
سكت وحك جبينه للحظة ثم تشجع ليسأله باهتمام تخالطه الحيرة
طب ومراتك ناوي تعمل معاها إيه
امتقعت تعابيره وصار متجهما للغاية ففهم نواياه دون الحاجة للبوح بها ومع ذلك بادر بالقول عنه كأنما يسمعه ما يدور في رأسه
شكلك مش عامل حسابك عليها تبقى معاك صح كلامي
لوى ثغره ليتكلم في حدة طفيفة
هاخدها أبهدلها معايا أنا محتاج أظبط وضعي الأول وبعد كده أشوف هاخدها إزاي!
كان رده منطقيا مقنعا وليس محلا للنقاش بحث عن شيء آخر ليقوله لعل وعسى يثنيه عن رأيه لكنه لم يجد لذا ثبت عينيه عليه قائلا في استسلام
ربنا يصلح حالك 
شكره لدعمه الظاهري وهتف بتحمس أكبر
هروح أفرح أمي وأبشرها 
كان يعلم أنه لا يحق له التدخل في شأنه ومع ذلك نصحه في نوع من اللين 
وماله بس ماتنساش مراتك هي ليها حق عليك 
تحولت نظراته بعيدا عنه وقال بغير مبالاة وقد هم بالسير
ربنا يسهل!
شيعه عوض بنظرة آسفة قبل أن يردد في يقين كبير
شكلك هتظلمها معاك يا أخويا 
خيل إليها أنها أصبحت تملك كنوز الأرض الثمينة بعدما أطلعها ابنها على الأنباء السارة ابتهجت أساريرها وأضاءت عيناها بكل معاني الفرحة والسرور ورغم أنها لا تعرف القراءة أو الكتابة إلا أنها ظلت تتحسس الأوراق بأطراف أصابعها وكأنها تستشعر نشوة الظفر بهذه الأختام الرسمية ضاقت حدقتاها فجأة وراحت تشدد مجددا على ابنها وهي تعيد وضع الأوراق في المغلف الأصفر 
اسمع كلامي متقولش لحد إلا على آخر وقت إنت ممكن تتحسد فيها والعين وحشة 
هز رأسه في طاعة وسألها
طب وفردوس
أبدت تعبيرا ناقما ومشمئزا من سيرتها فحذرته بلهجة صارمة
دي بالذات قبلها بيومين ده كفاية خالتها وأرها!
لم يعارض ما تمليه عليه لكنه تكلم في صيغة متسائلة كما لو كان يستفهم منها
بس جوازي منها كده هأجله!!
ردت بامتعاض ونظرة ساخطة تطل من عينيها
مافيهاش حاجة لما تستنى كام شهر هي متسربعة على إيه
فرك مؤخرة عنقه في تحير معكوس على وجهه فمالت عليه والدته تخبره بهذه الابتسامة المتسعة
ركز إنت في باب الرزق اللي ربنا فتحهولك ده وسيبك من أي حاجة تانية 
قال صاغرا دون تفكير
حاضر يامه 
استحسنت قدرتها على استمالة رأسه ودفعه لتنفيذ ما ترغب فيه بلا مجهود وراحت تستحثه على السعي وراء أحلامه بتلهف يفوقه غير مبالية إطلاقا بمن دونه  
العودة إلى أرض الواقع بعد لحظات من تذوق نعيم الجنة كان محبطا لها تمنت تهاني
 

15  16  17 

انت في الصفحة 16 من 82 صفحات