الأربعاء 27 نوفمبر 2024

رحلة الأثام للكاتبة منال سالم

انت في الصفحة 41 من 82 صفحات

موقع أيام نيوز


بمدحه غير المتوقع فسكتت للحظة تحاول استجماع جملة ملائمة فقالت كالبلهاء
كتر خيرك 
تفهم التردد الظاهر عليها وأكد لها باهتمام متزايد
أنا مش بجاملك دي الحقيقة 
على عكسه كانت متبلدة جامدة تجد صعوبة في مجاراة طريقته السلسة في البوح بما يناوش القلب فاكتفت بالصمت وتحاشت النظر ناحيته لتتطلع للأمام ممعنة النظر في الحواجز المعدنية التي تسد مقدمة الطريق هتفت متسائلة في استغراب حائر

هو الشارع مقفول ولا إيه
دقق النظر هو الآخر في الناصية المزدحمة بعشرات البشر وقال
مش عارف بس أول مرة يحطوها هنا 
تباطأت خطواتهما واستطالت عنق عوض محاولا تبين ما يحدث عبر الحشد الذي يملأ جنبات المكان علق مبديا تحيره
ده في زحمة ودوشة قدام 
توجس قلبها خيفة من حدوث مكروه ما فرددت بتلقائية
ربنا يستر 
أشار لها بيده لتتوقف قائلا بلهجة شبه آمرة
استني كده أما أسأل 
استجابته له هاتفة في إيجاز
طيب 
سارع عوض في خطواته بعدما تركها واقفة في مكان غير مزدحم ليستطلع بنفسه الأمر آملا ألا يكون خلف ذلك التجمهر کاړثة مفجعة 
بدأ قلبها يدق بسرعة كعادته كلما ولج إلى الغرفة ارتاعت فرائصها ظنا منها أنه قد جاء لأخذ رضيعها قسرا شددت من ضمھ له ونظرت إلى مهاب بقلق معكوس بقوة على محياها ازدادت مخاوفه مع صمته المدروس فما كان منها إلا أن سألته بصوت ما زال مرتعشا
هتردني لعصمتك تاني
أنا جيت في وقت مش مناسب ولا إيه
احتفظ مهاب بصمته وصاحبه بنظراته الغامضة وهو لا يزال يتقدم للأمام في حين تابع ممدوح كلامه قائلا
حبيت أطمن على الدكتورة 
ثم وجه حديثه إليها متسائلا باهتمام
إيه الأخبار
توترت تهاني من وجوده وتضاعفت دقاتها فإن كانت مشاعرها قد انجذبت إليه بسبب لطافته ووديته معها إلا أنها لن تضحي بقطعة منها لأجل أهواء وقتية نتجت جراء الوحدة والشعور بالفراغ ارتجفت في رجفتها عندما أجاب مهاب بنبرة موحية
ماتقلقش عليها 
حينئذ تكلمت من فورها وبصورة رسمية استغربها
شكرا يا دكتور ممدوح أنا كويسة 
اندهش الأخير من الجفاء المريب الذي تظهره ناحيته وكأنها راحت تعيد بطواعية وضع الحواجز بينهما كان فطنا للدرجة التي جعلته يخمن انصياعها الواضح فقال مشيرا بيده
الدكتور برا قالي إن في حد جاي يسألها عن تفاصيل الحاډثة 
أخبرته دون أن تفكر للحظة كما لو كان الجواب معدا بشكل مسبق
ده قضاء وقدر والحمدلله إنه اكتبلي أنا وابني عمر جديد وده اللي يهمني دلوقتي 
مط فمه في إعجاب ثم حول نظراته تجاه مهاب الذي كان يحدجه بنظرته المتباهية اقترب بعدئذ منه مال ناحيته وهمس له
برافو عرفت تطلع من المشكلة دي كمان من غير خساير 
هز مهاب رأسه في نشوة بدا متفاخرا بتحقيق نصرا جديدا في معركة لم يبذل فيها مجهودا استكمل ممدوح الناقص من جملته فاستطرد بسخرية محسوسة في نبرته
وبعيل كمان 
صحح له بصرامة رغم خفوت صوته
اسمه أوس يا
ريت
تحفظه 
تلقائيا اتجه ممدوح بنظراته القاتمة تجاه الرضيع وعلق بإيجاز غامض
أكيد 
ربت مهاب على جانب ذراعه وهو شبه يطرده بوقاحة
بيتهيألي وجودك مالوش لازمة 
أثار الغبار التي سادت في الأرجاء جعلت الرؤية غير واضحة مشوشة والسعال كان منتشرا بين المتواجدين حاول عوض اختراق صفوف البشر المجتمعين بكثافة ليصل إلى المقدمة التقطت أذناه عبارات مبهمة عن تواجد مكثف لعناصر الشرطة مع رجال الإسعاف وسيارات الإطفاء ما إن وصل إلى آخر نقطة كان مسموحا فيها للحضور بالوقوف حتى استطاع فهم ما حدث رأى العقار الذي يقطن به وقد انهار تماما منذ ساعات على حسب ما سمع ليخلف العديد من الضحايا العالقين أسفل أطنان من الركام الخرساني تدلى فكه للأسفل وحملق بعينين متسعتين في ړعب للأطلال المرابطة كجبل من الحجارة أمامه حلت الصدمة عليه كالصاعقة فعجز عن الكلام أو التعليق تنبه لضړبة أحدهم على كتفه وهو يخبره كنوع من المواساة
الحمدلله إنك مكونتش موجود وإلا كنت رحت مع اللي راحوا 
الټفت للجانب الآخر عندما خاطبه أحد الجيران
ده في ناس اتدفنت بالحيا هنا!
أضاف ثالث من ورائه
ده إنت ربنا كتبلك النجاة 
رويدا رويدا تدارك عقله ما حدث وأدرك حقا أن الدار التي كانت تأويه لم تعد موجودة اختفت مع كل ما يخص عائلته وزوجته من متعلقات شخصية وذكريات أسرية كان عوض في هذا الموقف تحديدا قليل الحيلة لا يملك زمام نفسه فما كان منه إلا أن ردد مستسلما للواقع المرير
لا حول ولا قوة إلا بالله!
هتف أحد المتواجدين من جديد
احمد ربنا إنك كنت برا 
استدار تجاهه متسائلا في تخبط عظيم
ده حصل إمتى وإزاي
رد عليه الرجل وهو يحك مقدمة رأسه
محدش عارف بالظبط بس آ 
قبل أن يتم جملته قاطعه صوتا صارما لأحد أفراد الشرطة ينهر به الجميع
يا جدعان ارجعوا لورا خلونا نشوف شغلنا 
تراجع مع من تراجع للخلف بعيدا عما كان بيته ولسانه يردد بتحسر موجوع
لطفك يا رب هتصرف إزاي دلوقتي
نظر إليه الجيران بتعاطف وشفقة وعلق عليه أحدهم
ليه حق الراجل يكلم نفسه كان زمانه مع الأموات!
انقاد بلا وعي إلى خارج الزحام وهو مشوش الذهن تماما فاقدا لقدرته على التفكير السليم وكيف له أن يفعل وهو في وسط کاړثة عظيمة لم تكن موضوعة في الحسبان! كانت فردوس لا تزال تنتظره عند البقعة التي تركها فيها ضجرت من الوقوف بمفردها ومع ذلك لم تتجرأ لمخالفة أوامره لمحته يجتاز الحاجز وهو باهت الملامح مشتت النظرات أقبلت عليه تسأله في قلق
عرفت في إيه يا عوض
استجمع قدرا من شتاته المبرر ونظر إليها بعينين حزينتين للغاية فسألته مرة أخرى بتوجس أكبر
إيه اللي حصل
أجابها وهو بالكاد يحبس دموعه
البيت راح 
بدا كلامه مبتورا منقوصا غير واضح لها لذا سألته مستفهمة
بيت إيه اللي راح!
سحب نفسا عميقا وأجابها بصوت مخټنق
العمارة وقعت كلها 
انخلع قلبها بين ضلوعها وسألته في صوت أخذ في الارتعاش
عمارة مين
أجابها بحسرة تملأ كامل وجهه وهو يغالب دموعه
العمارة اللي ساكنين فيها غير الناس اللي ماتوا وآ 
في التو استدارت ناظرة إلى التجمهر الموجود بالأمام وهي تكمل ولولتها المفجوعة
يادي الخړاب المستعجل 
استوعبت الکاړثة التي ألمت بها فاندفعت بتهور تجاه الحاجز لكن عوض استوقفها بالإمساك بها من ذراعه ليسألها
استني رايحة فين
هتفت في قهر وهي تذرف الدموع بحړقة من عينيها
حاجتي وعفشي وهدومي 
قال لها پألم
استعوضي ربنا 
انتشلت ذراعها من يده وصاحت في صړاخ مفطور
يعني إيه كله راح كده في غمضة عين
حاول تهوين الأمر عليها فعلق
قولي الحمد لله إن احنا بخير 
اڼفجرت تبكي پقهر أشد وافترشت الرصيف بجسدها لتبدأ في النواح والولولة عاليا 
آه يا
ۏجع قلبي أنا
مش مكتوبلي أفرح وأتهنى أبدا!!!
مجددا رفعت كوب الماء إلى فمها لترتشف ما به فتبلل جوفها الجاف قبل أن تخفضه لتنخرط في نوبة بكاء جديدة مصحوبة بالندب والتحسر بعدما عادت إلى بيت أمها لتمكث فيه مؤقتا نظرت إليها والدتها بأسف وحزن ففرحتها لم تدم كثيرا بل إنها تبخرت كالسراب لتظل كعهدها تعيسة الحظ ورفيقة أصيلة للغلب والشقاء جاءت أفكار لتفقدها فلم تسلم من لسانها اللاذع الذي لم يترفق بها زادت من شعورها بالإحباط والألم بقولها السليط
أنا مشوفتش واحدة فقر كده في حياتي أكتر منك 
من بين دموعها الغزيرة تأملتها فردوس تعاتبها بشيء من اللوم
خلاص يا خالتي بقى كفاية تعتيت في جتتي!
أيدتها عقيلة في كلامها قائلة بضيق
سبيها في حالها ياختي الحمدلله إنها بخير 
لم تبد مثلهما متعاطفة حزينة أو حتى الهم يملأ قلبها كانت تفكر بالعقل تحسب كل خطوة وفقا المستجد من الأوضاع لهذا أبدت جمودا غريبا وهي تسأل 
وهتعمل إيه بعد كده
أجابتها بتحير
الله أعلم 
لم تتحمل فردوس تأنيبها القاسې وكأنها من تسببت في اڼهيار المبنى القديم فنهضت من موضعها لتتجه إلى غرفة نومها القديمة حتى تختلي بنفسها بينما زمت أفكار شفتيها مغمغمة وهي تشيعها بنفس النظرات الجامدة
ده جوزها يعتبر على باب الله لا عنده أملاك ولا أبعدية 
ثم ركزت بصرها على شقيقتها وتابعت
هيدبروا حالهم إزاي هيباتوا في الشارع بقية عمرهم 
لم تجد عقيلة ما ترد به عليها فواصلت شقيقتها الكبرى استرسالها المزعج
ومۏت يا حمار عقبال ما الحكومة تديهم شقة 
يئست من لغوها الزائد وقالت حاسمة رأيها
خلاص يا أفكار هما هيفضلوا هنا معايا البيت فاضي عليا 
تفاجأت بما قررته فجأة ودون ترتيب مسبق لتظهر رفضها لاقتراحها النزق في صيغة متسائلة
وبنتك تهاني لما ترجع تلاقي راجل غريب أعد معاكو
ردت مصححة لها
ده جوز أختها مش حد غريب 
أصرت على رفضها قائلة
برضوه ده البيت أد كده وآ 
كانت موقنة أنها لن تسلم من احتجاجها ونقاشها وإن استمرت طوال النهار لهذا قاطعتها منهية الجدال في هذا الموضوع
ساعتها نبقى نتصرف 
كادت تنطق بشيء لكنها أسكتتها
بس مش
هاسيب فردوس تبات في الشارع ولا على الرصيف 
علقت عليها بتذمر ساخط
والشملول جوزها فين المفروض يدور على بديل 
بعد تنهيدة سريعة أجابت
أهوو بيعمل اللي عليه 
التفتت عقيلة برأسها نحو باب المنزل عندما سمعت الطرقات عليه نهضت متجهة إليه لتفتحه فوجدت إجلال عند عتبته أردفت الأخيرة مرددة بأنفاس لاهثة أكدت على لوعتها
سلام عليكم إزيك يا خالتي لا مؤاخذة إن كنت جيت من غير ميعاد بس أنا أول ما عرفت بالخبر جيت جري أطمن على دوسة 
رحبت بها قائلة
فيكي الخير يا بنتي خشي واسيها بكلمتين جوا 
كانت ممتنة لاستقبالها وانطلقت في التو نحو الداخل لتلازم صديقة الطفولة وتشاركها في مصابها طامعة أن تنجح في التهوين عليها 
منذ الصغر أدرك الفارق والاختلاف بين الشقيقين فالكبير متهور ومندفع لا يحسب الأمور جيدا بعقله يفعل ما يطرأ على باله بغير حسبان والصغير على النقيض يمتلك من الذكاء والفطنة ما يجعله قادرا على تسيد الآخرين وقيادتهم لا يثير المتاعب وإن وقع في المصائب وجد السبيل للخروج بلا أدنى خسارة لهذا كان الابن المفضل لديه مما زرع الغيرة والحقد في نفس ابنه البكري مع مرور الزمان الأزمة الأخيرة أوضحت له ما ظن أنه غفل عنه لهذا أراد إعادة توزيع الأدوار خاصة مع التطورات الجديدة لجأ السيد فؤاد لمحاميه لتنفيذ ما فكر فيه في فترة تعافيه وشرع الأخير في تحقيق مطالبه دون تأخير وصار كل شيء مثلما رغب استغرب سامي من
استدعاء أبيه له في مكتبه وقت
وصوله سأله بعدما استقر على المقعد المقابل له
خير يا باشا
في زهو بائن في نبرته وكذلك على تقاسيمه جاوبه باسما بقدر قليل
أخوك بلغني إنه جاب ولد 
غامت تعابيره للغاية وهتف غير مصدق ما سمع للتو
إيه
تابع والده حديثه إليه مهمهما
بقى لعيلة الجندي حفيد 
انزعج من الأريحية الواضحة على والده الأرستقراطي الصارم فلو كان هو من تصرف برعونة وتزوج بفتاة مجهولة الحسب والنسب لربما عوقب بالطرد من جنته وحرم من نعيمه وترفه أظهر سامي سخطه ونقمه عليه فقال 
شايفك يا باشا مبسوط بالخير يعني بالبساطة دي وافقت تدي لقب العيلة لحد ما نعرفش أصله من فصله!!!
حذره السيد فؤاد من التمادي في حديثه هاتفا
خد بالك من كلامك يا سامي اللي بتتكلم عنه ده ابن أخوك من صلبه 
أصر على اعتراضه
 

40  41  42 

انت في الصفحة 41 من 82 صفحات