رحلة الأثام للكاتبة منال سالم
تزحف على ثغره وهو يعقب
صدفة عجيبة
باعدت ناظريها عنه لتتأوه بصوت خفيض فسألها مهتما
تحبي أساعدك
رفضت بلباقة
شكرا أنا رايحة ناحية الطوارئ
أصر على الذهاب معها فوقف إلى جوارها قائلا
طب اسمحيلي أفرض نفسي عليكي وأوصلك بنفسي
تمسكت برفضها وهي تدير رأسها ناحيته
مافيش داعي
أكملت صعودها لكن الدوار الذي عصف برأسها جعل توازنها يختل فبادر بإسنادها من ذراعها وهو يحذرها پخوف غير مصطنع
بدت متحرجة من تصرفها الأخرق وقالت بصوت خاڤت
أسفة
رد بصدر رحب
متعمدا التأثير عليها للاستجابة لمطلبه
المړض مافيش فيه اعتذار
ثم مد ذراعه لتستند عليه خلال مشيها واستطرد بلطافة
اتفضلي يا آ
سألها بعد صمت لحظي
ما اتشرفتش باسمك يا فندم
وضعت بسمة ناعمة على محياها حين جاوبته
أنا الدكتورة تهاني
وأنا د مهاب الجندي رئيس قسم الجراحة العامة هنا!!!
يتبع الفصل الرابع
الفصل الرابع
الفرحة المرتقبة
توالت عليها الأيام بطيئة مستنزفة للأعصاب ومرهقة للتفكير فالرد لم يأت بعد من ناحية خالتها مما جعلها فريسة سهلة للهواجس والشكوك فتنهشها بعمق وتزيد من إحساسها بالخۏف والقلق مرة ثانية أثناء تواجدها بالمطبخ لمساعدة والدتها في إعداد الطعام عاد الشرود ليهاجمها فراحت تقلب الحساء بلا تركيز إلى أن انتبهت لصوت تذمر أمها فأفصحت لها فردوس عما يحيرها ويملأ صدرها الملتاع متسائلة بقلق
ضجرت عقيلة من هذه الأسئلة المستهلكة فهي لا تكف أبدا عن الإلحاح وسماع نفس الرد الرتيب لذا أخبرتها بعد زفير ثقيل يشوبه الملل
ربنا وحده أعلم بس أدينا بندعي يجعل في وشك القبول ويراضيكي
هذا الكلام المطمئن يبث نوعا من الراحة داخلها وإن كان مبهما عائما متكررا وغير مضمون لاحت على شفتيها ابتسامة حالمة وهي تسترسل بأريحية معها كأنما تحادث رفيقة مقربة لها لا والدتها المتحفظة
ڼهرتها والدتها عن التمادي في الأمر هاتفة بحدة
يا بت اختشي! عيب كده!
لوت ثغرها مغمغمة بتبرم
يوه يامه إن مكونتش أفضفض معاكي في الكلام هفضفض مع مين
سرعان ما لانت معها وقالت وهي تضع ابتسامة حزينة على محياها
يا رب يا بنتي
يفرح قلبك ويسعدك إنتي ياما صبرتي واستحملتي
أه والله راضية بنصيبي وبدعي ربنا إنه يعجله
طلبت منها أمها وهي تشير بيدها نحو الرف الخشبي المعلق أسفل دولاب المطبخ
ناوليني الملح من عندك
أحضرته إليها قائلة
أهوو يامه
تابع والدتها الحديث إليها فأضافت
عاوزين نجيب ورقة فلفل لأحسن الشوية اللي فاضلين عندي خلصوا
أكملت عليها مستعيدة في ذهنها ما أمرتها بإحضاره سابقا من محل البقالة الكائن بالمنطقة
وإزازة خل
طيب
استمرت كلتاهما في العمل بداخل المطبخ إلى أن تحدثت فردوس من جديد
تعرفي يامه لو كانت تهاني هنا مكانتش وافقت على اللي حصل عند خالتي
سلطت كامل نظراتها على أمها وهي تتم جملتها
كان زمانها عقدت الدنيا
جاء رد عقيلة مهموما إلى حد ما
ربنا يهديها لحالها
لم تعر مشاعر والدتها المزعوجة لغيابها المؤثر فيها اهتماما وواصلت القول
هي أصلها باصة في العلالي عاوزة حد ابن ذوات
رمقتها عقيلة بهذه النظرة الصارمة قبل
مسيرها ترجع لعقلها ادعيلها ربنا يرجعها لينا بالسلامة
تجاهلت ما قالته وسألتها بوجه متلهف
أومال احنا هنعرف الرد إمتى من خالتي
عاتبتها في صبر نافد
تاني!!
مدت يديها لتمسك بها من ذراعها كما لو كانت تتعلق به وألحت عليها بتوسل
عشان خاطري يامه ما تجربي تسألي كده خالتي
سحبت ذراعها من أسفل قبضتيها قائلة بجمود
يا خبر بفلوس بكرة يبقى ببلاش
أطلقت زفرة طويلة من رئتيها محملة بكل الرجاوات والآمال لتردد بعدها
هون يا رب وقرب البعيد
استفاقت بعد برهة من حالة الوهن التي سيطرت عليها لتصبح أكثر وعيا واتزانا وقدرة على السير بمفردها ابتسمت تهاني في خجل وهي ترى مدى الاهتمام والرعاية من قبل ذلك الطبيب الوسيم الذي لم يتردد للحظة في تقديم يد العون لها عاملها كأنها شخصية استثنائية وغير عادية على عكس ما توقعت أو دار بمخيلتها من معاملة روتينية فاترة لن تنكر أن التوقير والاحترام الزائدين من جميع من قابلهما في طريقهما إلى أن استقرت بهذه الغرفة الجيدة أشعرتها بأهميته الكبيرة هنا وبمدى هيمنته ورغم أنها لم تعرف بعد عنه شيئا سوى اسمه وطبيعة مهنته بداخل المشفى إلا أن هذا القدر غير الكافي من المعلومات جعلها في حالة من الفضول لمعرفة المزيد عنه قاومت رغبتها تلك ريثما تجد الفرصة المناسبة لتقصي أمره دون إثارة الريبة فالوقت أمامها متاح ووافر
مرة أخرى اختلست النظرات
ناحيته أثناء انشغاله بتدوين شيء ما على اللوح المعدني المعلق على طرف فراشها أمعنت التدقيق والتفرس في ملامحه وقسماته وهيئته البدنية ومظهره الخارجي الأنيق كأنما تريد أن تحفر معالمه في ذاكرته لدهشتها! وجدت فيه هالة غريبة تستحث دواخلها على الانجذاب إليه والإعجاب بشخصه الغامض فشاب مثله وصل إلى هذا المركز الرفيع في هذا المشفى المميز يعني ببساطة أنه ليس بشخص عادي بل شخصية هامة ذات نفوذ وتأثير رفع مهاب رأسه فجأة لينظر ناحيتها فأمسك بها وهي تتأمله مليا مما دفعها لخفض ناظريها في حرج كبير ابتسم قليلا وسألها
حاسة إنك أحسن
شعرت باندفاع الډماء الفائرة إلى وجنتيها لتبث فيهما سخونة كاشفة لأمرها قامت تهاني بتجلية أحبال صوتها لترد برعشة خفيفة ما زالت ناجمة عن شعورها بالحرج
أيوه الحمد لله
أوصاها وهو يستقيم واقفا ليثبت كل نظره عليها
حاولي تاخدي بالك من نفسك أكتر من كده محدش هينفعك لو وقعتي تاني وأكيد مش أنا اللي هفهمك الكلام ده يا دكتورة
رمشت بعينيها قائلة وهذه البسمة الخجلى تنير قسماتها
معاك حق
تقدم تجاه جانبها من الفراش فتوترت وراحت تفرك أناملها معا في ربكة لا يمكن التشكيك فيها من خبرته المحنكة في عالم النساء أدرك منذ الوهلة الأولى ومن طريقة تطلعها إليه أنها شخصية سهلة المنال طموحة لما لا تملك وتفتقر لتجارب عاطفية قوية وذات بصمة في حياتها فنجح ببساطة في فرض حضوره وتأثيره الطاغي عليها بأقل مجهود يذكر حقا كانت له طريقته ومهاراته المتفردة في سلب عقول النساء خاصة الساذجات منهن وهذا ما استثار نزعة الغرور لديه لذا تعمد إطالة مدة انشغاله في الكتابة تاركا لها كل الوقت لتملي عينيها منه مستمتعا بأول خطواته نحو مطاردة طريدة جديدة سهل الإيقاع بها في حبال آسره وقف قبالتها وخاطبها وهو ينظر من علوه في عينيها مباشرة وبطريقة ساحرة شعرت بها تتخللها وتنفذ إليها بسهولة وتزيد من حالة الاضطراب بها
حمدلله على سلامتك
لم تستطع مجاراته في النظر إليه وقالت متحاشية تحديقه الذي طال بها
شكرا ليك يا د مهاب تعبتك معايا ده غير إني عطلتك وآ
قاطعها هاتفا وهو يدس يده في جيب معطفه الطبي
ده واجبي أكون جمب المړيض في أي وقت
اكتفت بمنحه ابتسامة صغيرة ناعمة بعد أن تشجعت لتنظر إليه فاستغل الفرصة وسألها بمكر
بس إزاي إنتي شغالة هنا ومصادفش إني أشوفك ولا مرة
لم يكن سؤاله مجرد فضول عابر سيمضي بعد ذهابها في التو بل بدا اهتماما صريحا بشأنها لا لبس فيه ظلت أنظاره باقية عليها وهو يسألها
يعني تخصصك إيه
ابتلعت ريقها وأجابته بصوت كان أقرب للهمس
أنا مش خريجة طب بشړي
نظر لها صامتا فتابعت موضحة
أنا اتخرجت من علوم وجاية هنا تبع البعثة المصرية تقدر حضرتك تقول دراسة وتدريب
مط فمه في إعجاب قبل أن يتكلم
برافو هما هنا مش بياخدوا غير الأكفأ
أحست بتناقص توترها مع أسلوبه السلس المرن في التحاور معها ناهيك عن مزجه بشيء من الودية والغزل المستتر مما استحث مشاعر الأنثى القابعة بداخلها لتنفض الغبار عنها وتتيقظ خاصة حين استأنف في وداعة
وأنا حظي حلو إني شوفت طالبة نجيبة زيك
قالت وهي ترفرف بأهداب جفنيها
شكرا على ذوق حضرتك
اشتم رائحة شوقها لسماع ما يزيد من شعورها بالإطراء فصار على النفس النهج قائلا
دي مش مجاملة المستشفى هنا مابيقبلش يشغل فيه إلا المهرة وبس
بقيت محدقة في وجهه وهو لا يزال يخاطبها
وأظنها فرصة حلوة ليكي عشان تثبتي نفسك
علقت بتلقائية
أنا بعمل اللي عليا
انتفضت بجسدها كليا حين مد ذراعه فجأة نحوها ليزيح بيده
هذه الشعرة الملتصقة بجبينها هامسا
كده أحلى
توترت وارتكبت وتملكها القلق رفعت يدها المرتعشة لتسوي مقدمة رأسها وسألته
هو مسموح إني أخرج
أجاب في الحال
أيوه
هزت رأسها بخفة ثم أزاحت الغطاء الأبيض عنها لتخفض ساقيها باحثة عن حذائها لترتديه كم شعرت بالخجل حين رأت كيف يبدو مظهره في قدميها وضيعا رخيصا لا يليق بها! بلعت غصة مريرة في حلقها والتفتت للجانب عندما سألها مهاب مهتما
قوليلي في حد موجود يوصلك
نهضت واقفة وهي تجيبه
أنا هشوف مواصلة ترجعني السكن
ثم تقدمت نحو الباب بعدما علقت حقيبتها على كتفها لكن مهاب في التو تحرك صوبها ليعترض طريقها ويستوقفها بجسده قائلا بصيغة شبه آمرة ويده مرفوعة قليلا في الهواء
أنا هوصلك في طريقي
تمسكت برفضها قائلة
لا مايصحش كفاية إني عطلت حضرتك وضيعت وقتك
أطلت من عينيه لمعة ماكرة أتبعها قوله المليء بالإصرار
أنا مصمم
اعترضت بحرج
بس آ
وضع هذه الابتسامة المرسومة بعناية على زاوية فمه قبل أن يقاطعها بهدوء لكنه يضم الحزم
مش هاقبل بالرفض!
انصاعت صاغرة له وأطرقت رأسها حياء رغم أنها في أعماقها كانت تبتهج سعادة لكونها كأنثى أصبحت ذات تأثير وإن كان ما زال محدودا على صنف أمثاله من الرجال
تعمدت أن تسير على مهل لتستطيل مدة مشيهما معا فتتمكن من الحديث معه أكثر وتستعلم منه عما لا تعرفه بعد توقفت بجوار سيارته فراحت تتأملها بعينين منبهرتين فقد ابتاع الطراز الأحدث من هذا النوع شتت نظراتها عنها عندما تكلم أحدهم بصوت مرتفع ولافت من مسافة قريبة منهما
لا مش ممكن الدنيا فعلا زي ما بيقولوا صغيرة
استدارت لتنظر تجاه صاحب الصوت المألوف فرأت ممدوح قبالتها يمد يده لمصافحتها وهو يسألها باسما
إزيك يا دكتورة تهاني
توترت للحظة واختطفت نظرة سريعة تجاه مهاب قبل أن ترد وهي تمد يدها تجاهه
أهلا بحضرتك يا دكتور ممدوح
حل القليل من الوجوم المشوب بالضيق على قسمات وجه مهاب وتساءل باستغراب
إيه ده هو إنتو تعرفوا بعض
ضحك مستمتعا قبل أن يخبره بتلميح لئيم كان متأكدا أنه سيثير نزعته التملكية
طبعا دكتورة بالرقة دي صعب تتنسى
رمشت بعينيها مرددة ببسمة مجاملة
شكرا لذوقك
غام وجه مهاب وبدا وكأنه غير راض عما قيل فتوجست خيفة من إنهاء معرفته بها قبل أن تتوطد جيدا لكونه يظن أنها على علاقة بغيره لذا حاولت تفسير الموقف من تلقاء نفسها بقولها الموضح
هو احنا فعلا اتقابلنا