غير قابل للحب منال سالم
منتشرا على قسمات وجهه قبل الشعور به في نبرته
لا ينقصنا سوى الدلال الساذج الآن.
توبيخه القاسې زاد من شعوري بالبؤس وكأنه منحني سببا آخرا لمضاعفة أحزاني وتعميقها فعلقت بلا صوت
يا لحظي البائس!
كانت قبضته لا تزال قاسېة على ذراعي ولم أجرؤ على إظهار ألمي ظلت نظراتي ثابتة ناحيته وقد تحولت لهجته للشدة وهو يخبرني
إنه حقا يتعمد إرهابي بعباراته اللاذعة سكت كالعادة وأبقيت على صمتي فتابع على نفس النهج الصارم بشيء من الفجاجة
اهتمي به كزوجة أقرب للعشيقة حتى لا
يمل منك.
اتسعت عيناي في استهجان فأكمل ببسمة سخيفة
هو ماهر مع النساء ولا يقبل بالساذجات مدعيات البراءة.
ما الذي يقوله هذا كيف يحادثني بهذه الجرأة
هتف بي مشددا
لن أكرر كلامي مرتين.
لم أكن لأجادله أو حتى أجهد نفسي بالتعليق اكتفيت بهز رأسي كتعبير عن طاعتي الصاغرة له ليظن أنه نجح في إخضاعي بتعليماته الصارمة لكنها كانت مجرد شارات إنذار بأن مهمتي ليست باليسيرة مطلقا.
نظرت له من طرف عيني لأجده لا يتطلع إليه ومع ذلك امتثلت لأمره قائلة بصوت مرتعش
حسنا.
اتبعت تعليماته ورحت أسير في شيء من الترفع ثم تجولت سريعا بنظراتي على الأعين المتطلعة إلي في فضول شعرت في قرارة نفسي بأنها نفس الأعين التي رأيتها في حفل الزفاف المشؤوم الذي حضرته عندما وطأت هذه البلد مع فارق كبير أني اليوم العروس التعسة هسهست متهكمة في غير صوت
اللكنة الإيطالية ظهرت في بعض الكلمات المهنئة والمباركة ل مكسيم عني بحفاوة لافتة للأنظار وكأنه من سيتزوج لا أنا كان من الواضح للعيان أن لا يوجد من يقيم وژنا لشخصي بالطبع إنه يستحق كل التبجيل والتوقير فهو من بيده زمام الأمور وكلمة واحدة منه تعني الحكم النافذ على أحدهم على عكسي أنا التي أشبه قطعة الشطرنج يحركونها كيفما شاءوا. أثنى على طاعتي قائلا
لم أضف شيئا وتابعت أداء دوري ببراعة لكن بتفكيري السطحي ذلك كنت أحاول الابتعاد عن مواطن الخۏف خاصة وأنا أعلم جيدا أنه في نهاية هذا الممر ينتظرني. انقبض قلبي بشدة وشعت الرجفات الموترة في كياني سعيت لإخفائها تحت ابتسامات رقيقة صغيرة ومرسومة بعناية لأبدو في نظر من يبصرني العروس الخجلى لا المرتاعة الفزعة!
خلف الستر الشفاف الذي يحجب نظراتي أبصرت فيجو واقفا في شموخ وعلو لا ينظر ناحيتي وإنما يخاطب ابن عمه السقيم الواقف إلى جواره رغما عني لعنت الأخير في سخط
اللعېن ليت أحدهم يغرز وتدا في قلبه فنستريح.
عدت لتأمل من يتواجد في المقدمة فرأيت القس واقفا في المنتصف وفي يده الكتاب المقدس وعلى وجهه ابتسامة وقورة مقتضبة أما عن يمينه فوقفت الوصيفات الفاتنات كن حقا لافتات للنظر باحثات عن الزوج المناسب من بين هؤلاء المدعوين وكان من
بينهن شقيقتي لم تكن بباسمة أو حتى مبتهجة كنت أشعر بحنقها ينبثق من داخلها ولم تسع لمداراته بل أرادت أن تظهر نقمها في صورة هذا الوجوم المرئي.
انخلع قلبي مرة ثانية بقوة عندما عاودت النظر ناحية فيجو شعرت بارتفاع دقاته وبقصف يدوي بين ضلوعي خاصة حين وجدته يحدق بي بنظرات قوية ثابتة تكاد تنفذ إلى ما بداخلي فذبذبت كامل وجداني رهبة منه. تردد صوت في عقلي
المۏت قادم لا محالة!
حاولت تحفيز نفسي على الصمود فقلت دون كلام
لا تخشيه أنت قادرة على التعامل معه سيذوب بين يديك!
هل أصدق ما أفوه به حقا أم أنه مجرد هراء فارغ أخدع به نفسي البائسة لم أستطع نفض مخاۏفي عن عقلي وتركتها تسيطر على تفكيري وتزداد في تأثيرها خاصة مع وصولي إلى مكان تلاوة عهود الزواج.
بعض المواقف لا تحتاج لوصف دقيق أو مسهب لشرحها لأنك ببساطة لا تجد الكلمات المناسبة للتعبير عنها هذا ما كنت أمر به حاليا ففي الطبيعي أن تشعر العروس بخليط من المشاعر المرتبكة الخجلى الحائرة ويفوقها الخۏف الغريزي من شيء جديد مجهول هي مقبلة عليه فماذا عن مصير محتوم تعرف نهايته
أوصلني مكسيم إلى نهاية الممر ثم يد يده لمصافحة ابنه بعد أن أكمل دوره وراح يبادله بعض العبارات في فخر واعتزاز قبل أن ينسحب من المكان ليتركني معه ورغم الحشد المراقب لنا إلا أني أحسست بالوحدة الممزوجة بالارتياع تواجهت نظراتي التائهة مع نظراته الغامضة حين استدرت ووقفت قبالته كان كمن يفحصني تحت المجهر لم أستطع تبين ردة فعله حين رآني كعروس جميل للوهلة الأولى حيث كنت غالبية الوقت أنظر في أي اتجاه سواه وعندما واتتني الفرصة تشجعت وحملقت فيه وجهه بدا غير مقروء التعبيرات وعيناه تبعثان على المزيد من مزيج يجمع بين الرهبة والارتباك. هناك شيء شعرت به في لحظة خاطفة حين دفعتني إحدى الوصيفات من ظهري لأقترب أكثر منه كانت المسافة الفاصلة بيننا محدودة لكنها كفيلة برؤية إحدانا للآخر بوضوح.
ظل فيجو على غموضه المثير وأنا بقيت على تلبكي المحير أخفضت رأسا حرجا من الموقف برمته
________________________________________
فلم أعتد أن أكون محط الأنظار بهذه الصورة لم أركز مع ما كان يتردد في الخلفية إلى أن تم الانتقال للجزء الهام في هذه المراسم هبت بي عاصفة من الخۏف الشديد جعلت بدني يرتج دون حراك ظاهري والقس يسألني سؤالا مباشرا
هل تقبلين به زوجا
وقتئذ نظرت إليه بعفوية فوجدته يغوص بعينه الثابتة في عمق نظراتي مما دفعني لإحناء رأسي في ربكة متوترة تدفق الأدرينالين في عروقي وأحسست بصخب عارم يجوس في داخلي الرفض لم يكن خيارا مطروحا بل لم يكن موجودا من الأساس بدا سؤاله متهكما عن كونه جادا لهذا قلت وأنا ساهمة التفكير والنظرات
نعم.
كرر نفس السؤال معه
فأجاب فيجو بعد لحظة من السكوت حبس الجميع فيها أنفاسهم وأنا أشعر بنظراته لا تبارحني
نعم أقبل.
حينئذ هتف القس معلنا بسعادة عظيمة كأنما حقق نصرا كاسحا
الآن أعلنكما زوجا وزوجة...
صفق الحضور وهم يهللون وزادت الأجواء صخبا حين أكمل
يمكنك تقبيل العروس.
هذا الجزء من النص لم أضعه في الحسبان برقت عيناي في صدمة مدهوشة ونظرت مباشرة أمامي في حرج فزع بعد أن رمقت القس بنظرة مستنكرة اهتاج قلبي بذوبعة جديدة من المشاعر الحيرى لم أتمكن من استيعابها أو تجاوزها بسبب إقدام فيجو على رفع ستر وجهي ارتجفت كليا تقدم مني خطوة و احتضن بعدها صدغي براحتيه ملمس جلده البارد على بشرتي الساخنة جعل كتفاي يتقلصان ومعدتي تضطرب أمال رأسه ناحيتي ليقترب مني أغمضت عيني سريعا وشعرت بلمسته هادئة تقليدية خالية من الشغف تراجع عني ففتح عيناي لأجده لا يبتسم لكن أصوات الجميع عمت من حولنا.
لا أعرف ما الذي أصابني لكن الضيق كان الأبرز والأطغى عن أي مشاعر أخرى ساورتني في هذه الثواني الحرجة
الفصل الثامن عشر
من المعتاد في الأعراس الإيطالية إقامة بعض التقاليد الشائعة قبل وأثناء مراسم الزفاف لإضفاء أجواء من الحماسة والتشويق على العروسين بالإضافة لإمتاع الحضور مثل الابتعاد عن ارتداء اللون الأبيض حتى لا يكون نذير شؤم عدم وضع الحلي الذهبية ووضع بعض العراقيل للعريس خلال اصطحابه لعروسه واختبار فطنته وجلده لكن ما عايشته في أهم ليلة حلمت بها كان على النقيض كليا فبدا الحفل برمته فاترا خاليا من الإثارة ومملا لأبعد الحدود وقتئذ أدركت أني رسوت على شط نهاية مرحلة من حياتي وبدأت أخرى مجهولة مليئة بكل ما قد يكون صاډما ومؤلما بمجرد إعلان القس لزواجنا.
تصاعد ضيقي وانتشر بعدما أصبحت بمفردي في لحظة حيث انشغل فيجو بمن جاء لمباركته واضطررت حفظا لماء الوجه للتحرك بثوبي الثقيل وطرحتي الطويلة بضعة خطوات ناحية الوصيفات كأنما الخجل قد أمسك بي لكن في حقيقة الأمر شعرت بالوحدة والإقصاء. تنهدت مليا ورحت أتأمل المحيط من حولي مستشعرة بمزيد من الإحباط يتسرب إلى داخلي.
ورغم أن المظهر العام يوحي بأن الحضور مسرور إلا أني شعرت في أعماقي أن فرحتهم زائفة مخبأة خلف هذه الابتسامات العريضة والنظرات الوهاجة فافتقرت لبهجة العروس التلقائية وافتقدت للهفة والشغف فقط وددت لو أبقيت ستر وجهي مسترسلا لأخفي سخطي ورائه. استدرت برأسي للجانب مرة ثانية لمحت فيجو وقد ابتعد بضعة خطوات عني ليتلقى التهنئات من المتواجدين وهم كثر عاودت التحديق أمامي فوجدت آن تقترب مني وسحنتها عابسة نسبيا ابتسمت لها في رقة وسألتها في روتينية وأنا أفرد طرحتي
ما رأيك
أجابت بصراحة مزعجة
بشع.
هتفت في دهشة مستنكرة
ماذا
أضافت بمزيد من الصراحة المغلفة بالۏجع وهي تشير بعينيها
ألا تري ما حولك إنه مقيت يصيب بالغثيان...
جريت بنظراتي على الحضور كنت كمن أراهم وجوها مظلمة بلا أقنعة مجرد دمي يتم تحريكها بالخيوط وفق أهواء زعيمهم للغرابة لم يقترب أحد مني! الغالبية الټفت حول فيجو تقدم له فروض الطاعة والولاء لا التهنئة والمباركات. انتبهت مجددا لشقيقتي وهي تكمل في أسى
أنا انتظر انتهاء هذه المسرحية الهزلية لأنصرف.
كنت أشاركها نفس الإحساس وإن لم أجرؤ والټفت ناظرة في اتجاه والدتي لأقول بعدها
صوفيا سعيدة.
شعرت بلمسة من يدها على ذراعي فنظرت مرة ثانية ناحيتها خاطبتني بعدها في إشفاق
ريانا لم يكن عليك فعل هذا.
أخبرتها مؤكدة
أنا فعلت ذلك لأجلنا جميعا لحمايتنا.
رغم أن نبرتها كانت غير مرتفعة إلا أن الحنق كان ظاهرا فيها عندما قالت
حمايتنا ممن نحن نعيش في جحر الأفاعي كيف سننجو برأيك
تملكت نبرة اليأس من صوتها وهي تضيف
النتائج محسومة في النهاية وليست لصالحنا.
ثم أشارت بعينيها إلى من تبغضه بشدة وتابعت في نفور
انظري للحقېر لوكاس.
وجهت ناظري إلى حيث يقف فرأيته ينزع رابطة عنق فيجو ضاقت نظراتي باسترابة لكن سرعان ما فهمت بتصرفه أنه لاحقا سيقوم بتمزيقها إلى قطع ومن ثم توزيعها على العازبين من الرجال كتقليد متبع في الأفراح ومن يحصل على القطعة الكبرى يعني خطبته قريبا وكأنه فأل حسن وبشارة طيبة بالأمر. باعدت نظراتي عنه لأحملق في شقيقتي وهي تؤكد لي
لن ينالني مهما فعل!
رطبت شفتاي بمسحة سريعة من لساني وقلت
لا تقلقي.
تحركت لتقف في مواجهتي نظرت في قلب عيني وعلقت بجدية تامة أصابتني بقدر من الرجفة
أنا لا أخشى على نفسي وإنما أنت