زهرة الخريف فاطمة الألفي قصة قصيرة
انت في الصفحة 1 من 6 صفحات
زهرة الخريف
بقلم فاطمة الألفي
تلك الندوب التي لا زالت تترك أثرها على أرواحنا تلتئم جراح الجسد وندوبه ولكنها لن تختفي من داخل اعماقنا أرواحنا التي ترفرف مثل الطير الجريح الذي ذبح غدرا مما كنا نظن يوما أنه الحصن المنيع والحائط الصلب الذي نكتئ عليه لنحتمي به من غدر الزمان هو أول الغادرين بقلب أحبه وتيم بعشقه ليكون مصير هذا القلب العاشق مطعونا پسكين الغدر مجروحا خائڤا منبوذا بكل قسۏة مطرودا من أحضان الأمان لجوف البرد وقرص الصقيع ومرارة الايام وتظل الروح معذبة في دياجير الليل الذي لا ينتهي وتحاول جاهدة بأن تطفو على سطح الحياة لا تجرفها الأمواج بعيدا عن ضجيج الواقع وتغوص بها داخل أعماق السراب...
سيدة على مشارف الأربعون من عمرها مطلقة على قدر من الجمال بوجه مستذير كأستدارة القمر ليلة إكتماله بشوشة الملامح هادئة بيضاء البشرة عيناها سوداوان مظللتين باهداب كثيفة وطويلة تزيد من اتساع حدقتيها شديدة السواد شفاها ممتلئتين شهيتين كثمار نضجة تأسران من يتطلع إليهما يشتهي تذوقهما يعلوهما أنف صغير ووجنتين مرمريتين كحبات التفاح جبين صغير مسطح به عدة خطوط أثر ما تثقله من هموم على كتفيها وتحملها وحدها أعباء الحياة ترتدي الحجاب الذي تواري خلفه خصلاتها السوداء الحالكة متوسطة القامة بجسد متناسق ليس بنحيل ولا سمين
_ورقة طلاق_ وتهرب من مسئوليته تماما انقطعت أخباره عنهما وهي لم تجد أمامها إلا السعي من أجل جني المال لكي تأمن معيشة أطفالها ابنها البكري في الثالثة عشر من عمره وطفلها الآخر في العاشرة من عمره هذه هي كل ثروتها في الحياة..
فجأة وجدت نفسها وحيدة كسا الحزن ملامحها وتلاشت ابتسامتها وازداد عمرها أضعافا بسبب ما حدث لها من رفيق العمر الذي طعنها بسهام غادرة.
جاهدت من أجل أطفالها ووجدت فرصة عمل بعيادة خاصة قررت أن تعمل بوردية المساء لكي لا تترك أطفالها نهارا فهم ما زالوا صغار وبحاجة إليها.
تسللت أشعة الشمس الذهبية على شرفة غرفتها وأزاحت الستائر مع نسمات هواء الصباح الباكر عندئذ غردت العصافير على سور شرفتها تصدر ألحانها الشجية التي تسري القشعريرة داخل أوصالها تحثها على الاستيقاظ معلنة عن بداية يوم جديد.
نهضت زهرة عن فراشها وهي تبتسم في هدوء ثم اقتربت بخطوات متئدة تزيح ستائر غرفتها لتنفرج الشرفة وتضيء أشعة الشمس البرتقالية غرفتها المكونة من فراش قابع بمنتصف الغرفة وعلى جانبيه الكومود وفي الجهة المقابلة للفراش خزانة الثياب وعلى الجانب الايمن للفراش موضعة منضدة الزينة خاصتها ذات الاثاث البني الداكن والحوائط مطلية باللون العاجي.
دلفت الشرفة وهي تبتسم لسرب الطيور التي أحتلت شرفتها منتظرين حبات الأرز والقمح التي اعتادت زهرةأطعامهم في هذا الوقت من الصباح مدت يدها داخل الحقيبة البلاستيكية السوداء الموضوعة بأرضية الشرفة والتقطت حفنة من داخلها ثم أستقامت لتضع داخل المصفاه التي ثبتته سابقا على جانبي الشرفة وضعت حبات القمح داخله لتصدر العصافير رفرفة رقيقة مع صوت زقزقة متداخلة بتناغم كأنهم يعزفون سمفونية شهيرة تجمعوا على طعامهم يلتهمونه في نهم تحت نظراتها الحانية بعدئذ غادرت الشرفة لاحضار الماء لتروي عطشهم أيضا.
ثم دلفت داخل المرخاض لتتوضئ وتصلي صلاة الضحى وعندما أنتهت نهضت مغادرة غرفتها متوجهة إلى المطبخ لتعد وجبة الإفطار لصغارها وتحضر صندوق الطعام الخاص بهم وتضعه داخل حقيبة المدرسةخاصتهم ثم ولجت لغرفة أطفالها توقظهم من أجل الإستعداد للذهاب إلى مدرستهم.
أقتربت من فراشهم ووقفت بالطرقة الفاصلة بين الفراشين الصغيرين المطليين باللون الموف ذات حوائط ورقية بها رسومات الكرتون وأبطالهم الخارقة سبايدر مان وبتمان وهارك الرجل الاخضر وخزانة ملابسهم ذات الثلاث درف المقابلة لفراشهم كما يوجد مكتب صغير الحجم يعلوه حاسوب خاص بزياد و كرسي خشبي صغير قابع خلف مكتبه.
دنت من زياد تهز كتفه برفقملامحه تشبه ملامحها بوجه ابيض صبوح ولكن طفى على ملامحه العبوس بعد فراق والده كأنه يحمل حزنا دفينا يظهر ذلك الحزن علي تقاسيم وجهه المستدير الصغير بعيون بنية تبرق بلمعة حزينة وأنف صغير وشفتين رقيقتين ممتلئة قليلا ويزين راسه خصلات شعره الاسود اللامع ذو الملمس الناعم وجسد ضئيل ولكنه طويل القامة مثل والده .
زياد حبيبي.. هيا أستيقظ.
ثم توجهت للصغير زين صغيرها الشقي ذى الوجه الغاضب دائما يمتلك عينين صغيرتين عسلية ولكن نظراتهما حادة كلما طالعته نظراته ترى بها نظرات طليقها يبدو أنه تركها وترك خلفه النظرات القاسېة ورثهما عنه طفلها لكنها تقابل حدة نظراته بحنو فهو ليس لديه ذنب بأنه يرث الشبه عن ابيه يعلو جبينه خصلات شعره البنيه المنسدلة على عنقه في نعومة يرفض تقصيره فهو يعشق شعره الطويل الذي يميزه حتي ورث أيضا غلظته فهو طفل مشاكس يتمتع بشخصية قوية يفرضها على زملائه بالمدرسة يمارس دوره كقائد ويدقن الدور تماما .
زين.. صغيري هيا انهض من أجل مدرستك.
نهض زياد أولا وهو يقترب من والدته يميل بجذعه الطويل مقبلا جبينها
صباح الخير أمي.
تبسمت له وربتت على كتفه في محبة
صباح الخير يا صغيري.
غادر زياد الغرفة وهو يحمل منشفته ذات اللون الازرق على كتفه ثم دلف المرحاض لكي يستعد للذهاب إلى مدرسته أما عن الصغير الكسول فهو يورق والدته كل صباح.
تنهدت بنفاذ صبر وهي تقترب منه تجذبه من فراشه كي يستيقظ
كفى كسل يا صغيري سوف تتأخر عن المدرسة.
همس زين بتكاسل وهو يضع كفه يتثائب أثر النعاس
دعيني اليوم يا أمي لا أود الذهاب.
لماذا
فرك عينيه الصغيرتين ونظر لها بترقب ثم بتر كلماته في خوف
لن استطيع الذهاب دون ولي أمري هكذا أخبرني مدير المدرسة.
هتفت بتساءل
مدير المدرسة!.. ماذا فعلت ما الأمر يا زين